تتابع مجموعة محامون من أجل العدالة بقلق بالغ ما يتعرض له المعلمون والمعلمات من ممارسات وإجراءات عقابية مرتبطة بالإضراب المستمر منذ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2025، والذي جاء نتيجة تراجع رواتبهم منذ شهر حزيران/يونيو الماضي وصرف 50٪ منها فقط، ما وضع شريحة واسعة منهم أمام ضائقة معيشية خانقة دفعتهم للجوء إلى الإضراب كوسيلة قانونية سلمية لانتزاع حقوقهم المالية والمهنية.
أولاً: خلفية الأزمة
بدأت حالة الاحتجاج بالتدريج وصولًا إلى الإضراب المفتوح بعد تراكم الأشهر التي لم تُصرف خلالها الرواتب كاملة وتوسّع الفجوة بين ارتفاع تكاليف المعيشة وبين الأجر الفعلي الذي يتقاضاه المعلم، الأمر الذي قاد إلى فقدان القدرة على الوفاء بالالتزامات الأسرية ومعيشة كريمة. وبالرغم من المناشدات المستمرة، لم يتم الاستجابة الفعلية لمطالب المعلمين أو فتح مسار تفاوض جدّي، بل لوحظ اعتماد إجراءات تضييق بديلة تهدف للضغط على المضربين وإجبارهم على العودة دون معالجة أصل المشكلة.
ثانياً: ممارسات تضييقية ورصد انتهاكات متعددة
رصدت مجموعة محامون من أجل العدالة من خلال البيانات الواردة والشهادات الميدانية الواردة عبر فورم الإلكتروني مجموعة من الانتهاكات الواسعة بحق المعلمين والمعلمات المشاركين في الإضراب، تراوحت بين ضغوط إدارية واقتصادية وأمنية واجتماعية، وجاءت أبرزها على النحو الآتي:
- إصدار تهديدات بالفصل أو الوقف عن العمل أو الإحالة للتقاعد بحق عدد من المعلمين دون وجود مسوّغ قانوني.
- خصومات على الرواتب رغم عدم انتظام صرفها، وتهديد بحساب أيام الإضراب كغياب كامل قد يُبنى عليه إجراءات لاحقة تصل لفقد الوظيفة.
- نقل تعسفي إلى مدارس أو مديريات أخرى بهدف الضغط والإجبار على كسر الإضراب.
- التهديد بإدراج المعلمين في تقارير الدوام الشهري كـ”غياب” أو تحت رمز (ST) بما يخلق دلائل إدارية تستخدم لاحقًا كأساس للعقوبة.
- ضغوط اجتماعية وأسرية على وجه الخصوص تجاه المعلمات، شملت حالات تهديد بالطلاق، وخلق خلافات داخل الأسرة لإجبارهن على العودة للعمل.
- استدعاءات أمنية لبعض المعلمين على خلفية المشاركة في الإضراب وسؤالهم حول دورهم وتواصلهم، واستخدام لغة ضاغطة في بعض الحالات.
- استبدال المعلمين المضربين بمدرسين بدلاء بعقود مؤقتة حتى نهاية العام الدراسي كوسيلة لإضعاف موقف المعلمين وتقويض الإضراب.
- مضايقات نفسية ومهنية تمثلت في تخويف، تهديد مباشر، تنبيه شفهي، أو إشعار غير رسمي بحرمان من الامتيازات.
- تسجيل حالات تهديد مباشر بالفصل وصلت في إحداها إلى انهيار صحي نُقل على إثره أحد المعلمين إلى المستشفى خلال التحقيق الأمني.
تشير هذه الوقائع إلى تحوّل الإطار الإداري إلى أداة ضغط وعقاب جماعي بدلًا من اعتباره آلية لتنظيم العمل، وترتقي بعض هذه الانتهاكات إلى مستوى المساس الجسيم بالحق الدستوري في الإضراب، وخلق بيئة غير آمنة للمعلمين والمعلمات.
ثالثاً: حول قانونية الإضراب
تشدد مجموعة محامون من أجل العدالة على شرعية اضراب المعلمين، لخضوعه للشروط والواردة في القرار بقانون رقم (11) لسنة 2017 المنظم لحق الموظف العمومي في الإضراب، والذي أجاز صراحة ممارسة الإضراب كوسيلة للاحتجاج ورفع المطالب.
وبالتالي فإن أي إجراءات عقابية تستند إلى توصيف الإضراب كـ”غياب” تمثل تجاوزاً للمرجع القانوني الصحيح وخلطاً متعمداً قد يفضي لقرارات غير مشروعة.
كما أن إضراب المعملين محمي بموجب:
المادة (19) من القانون الأساسي: كفالة حرية الرأي والتعبير: والتي تنص على “لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون.”
القرار بقانون 11/2017 بشأن تنظيم ممارسة حق الإضراب في الوظيفة العمومية: وخاصة المادة 1 منه، والذي يشكل المرجعية القانونية الحاكمة في حالة المعلمين.
أي إجراء إداري أو أمني يُتخذ بهدف التضييق على المعلمين أو تهديدهم أو الانتقام منهم لمشاركتهم في الإضراب يُعد مخالفة صريحة للدستور والقانون.
رابعاً: موقف وتوصيات مجموعة محامون من أجل العدالة:
• تطالب مجموعة محامون من أجل العدالة بوقف فوري لجميع الإجراءات العقابية بحق المعلمين.
• تؤكد أن الخصم أو الفصل أو النقل على خلفية الإضراب باطل قانوناً ومعرّض للإبطال قضائياً.
• تدعو إلى فتح باب الحوار والحل التفاوضي بدل المسار الأمني والإداري العقابي.
• تشدد على ضرورة توثيق كل الانتهاكات بشكل فردي ومنظم.
• تدعو المؤسسات الحقوقية والنقابية للتدخل وتوفير دعم وحماية قانونية ومجتمعية.
ختاماً
إن استمرار التعاطي مع أزمة المعلمين من زاوية الضغط والترهيب لا يشكّل حلاً، بل يزيد التوتر ويمس بحقوق شريحة تمثل العمود الفقري للنظام التربوي.
الإضراب ليس تعطيلاً للتعليم، بل صرخة مطلبية مشروعة تستوجب الاحترام والمعالجة لا العقاب.
وتجدد مجموعة محامون من أجل العدالة التزامها بمتابعة هذه القضية قانونياً وحقوقياً وتوثيق أي انتهاكات تمس المعلمين والمعلمات حتى استعادة حقوقهم كاملة